من هو ابو عبيدة عامر بن الجراح؟
هو الصحابي عامر بن عبد الله بن الجراح بن هلال الفهري القرشي ويكنى بأبي عبيدة، ولد أبو عبيدة بمكة عام 584 (40 قبل الهجرة).
واسمه عامر بن عبد الله بن الجراح بن هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة القرشيّ، وأمه هي أميمة بنت غنم بن جابر.
أبوه: عبد الله بن الجراح، لا يُعرف، ولم يُذكر إلا في قصته مع ابنه أبي عبيدة يوم بدر، وفي كتب الأنساب اضطراب في سَوق نسب أبي عبيدة، قال ابن حجر في الإصابة: أبو عبيدة بن الجراح، مشهور بكنيته وبالنسبة إلى جده، ومنهم من لم يذكر بين عامر والجراح «عبد الله» وبذلك جزم مصعب الزبيري في «نسب قريش»، والأكثر على إثباته.
أمه: أُميمة بنت غَنْم بن جابر، وفي «جمهرة أنساب العرب» لابن حزم الأندلسي: أميمة بنت عثمان بن جابر بن عبد العزى بن عامرة بن عميرة بن وديعة بن الحارث بن فهر، ونقل ابن حجر عن خليفة أن أم أبي عبيدة أدركت الإسلام وأسلمت. ولم تذكر المصادر التاريخية شيئاً عن نشاط أبي عبيدة في الجاهلية، فبدأ تأريخ حياته يوم إسلامه. ونقل ابن هشام وغيره أنه «أسلم قبل أن يدخل رسول الله ﷺ دار الأرقم ابن أبي الأرقم».
صفات أبو عبيدة بن الجراح الخَلقية
كان للصحابي الجليل أبو عبيدة -رضي الله عنه- العديد من الصفات الخَلقية التي ميّزته عمن سواه من الرجال، وفيما يأتي ذكر بعضها:
- ظهور العروق في وجهه وجبينه.
- طويل القامة.
- نحيل الجسد.
- خفيف اللحية.
- رفيع العارضين.
- أثرم الثنيتين (أي أنه قد كسرت بعض ثنيته).
- أجنأ (في كاهله انْحِناء على صدره)
أسلام أبو عبيدة بن الجراح
كان أبو عبيدة بن الجراح من السابقين الأولين إلى الإسلام، فقد أسلم في اليوم التالي لإسلام أبي بكر، وكان إِسلامُهُ على يَدي الصِّدِّيق نفسِه، عاش أبو عُبيدةَ تَجْرِبَةَ المسلمين القاسِيَةَ في مكَّةَ مُنْذُ بِدايتها إلى نِهايتها، وعانى مع المسلمين السَّابقين من عُنْفِها وَضَراوَتِها وَآلامِها وأحْزانِها.
ولا يُعرف ترتيب أبي عبيدة بين السابقين إلى الإسلام، ويُعد أبو عبيدة من السابقين الأولين إلى الإسلام، فهو ممن التقاهم النبيُّ محمدٌ في دار الأرقم قبل أن يبلغ المسلمون أربعين رجلاً.
هجرة ابو عبيدة عامر بن الجراح
عندما زادت قريش من تشديدها على المسلمين أذن الرسول لأصحابه بالهجرة إلى الحبشة، وكان أبو عبيدة واحداً منهم، وبقي هناك مدَّة، ثم عاد إلى مكة مع المسلمين عندما نمي إليهم بأن قريشاً استجابت لدعوة النبي وأسلمت.
وهاجر أبو عبيدة من مكة إلى المدينة المنورة.
لقَّبَ النّبيُّ محمدٌ أبو عبيدة عامر بن الجراح بأمين الأمة
عن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ” لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ ، وَأَمِينُ هَذِهِ الأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ ” [ متفق عليه ] .
ولما قدم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وفد من أهل نَجْران اليمن طلبوا منه أن يُرسل معهم رجلاً يعلمهم السنة والإسلام، فتمنى كل واحد من الصحابة أن يكون هو، فرشح لهذه المهمة أبا عبيدة قائلاً: «هذا أمين الأمة».
وفاة ابي عبيدة عامر بن الجراح
توفى أبو عبيدة بالطاعون المسمى طاعون عمواس ، وعمره 58 سنة.
أرسل عمر بن الخطاب جيشًا إلى الأردن بقيادة أبي عبيدة بن الجراح، ونزل الجيش في عمواس بالأردن، فانتشر بها مرض الطاعون أثناء وجود الجيش وعلم بذلك عمر، فكتب إلى أبي عبيدة يقول له: إنه قد عرضت لي حاجة، ولا غني بي عنك فيها، فعجل إلي. لما قرأ أبو عبيدة الكتاب عرف أن أمير المؤمنين يريد إنقاذه من الطاعون فكتب إلى عمر يقول له: إني قد عرفت حاجتك فحللني من عزيمتك، فإني في جند من أجناد المسلمين، لا أرغب بنفسي عنهم.
ولما وصل الخطاب إلى عمر بكى ، فسأله من حوله : (هل مات أبو عبيدة ؟) فقال : (كأن قد) ، والمعنى : أنه إذا لم يكن قد مات بعد ، وإلا فهو صائر إلى الموت لا محالة .
فكتب أمير المؤمنين إليه مرة ثانية يأمره بأن يخرج من عمواس إلى منطقة الجابية حتى لا يهلك الجيش كله، فذهب أبو عبيدة بالجيش حيث أمره أمير المؤمنين، ومرض بالطاعون، فأوصى بإمارة الجيش إلى معاذ بن جبل، ثم توفي.
ويوجد ضريح أبي عبيدة بن الجراح في بلدة دير علا في منطقة الأغوار الوسطى شمال غرب الأردن. كما يوجد حاليا “مزار أبي عبيدة” في “غور البلاونة” على الطريق العام الذي يقطع غور الأردن من الشمال إلى الجنوب.
قصة الحوت
عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ : بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَمَّرَ عَلَيْنَا أَبَا عُبَيْدَةَ نَتَلَقَّى عِيراً لِقُرَيْشٍ وَزَوَّدَنَا جِرَاباً مِنْ تَمْرٍ لَمْ يَجِدْ لَنَا غَيْرَهُ فَكَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ يُعْطِينَا تَمْرَةً تَمْرَةً – قَالَ – فَقُلْتُ كَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ بِهَا قَالَ نَمَصُّهَا كَمَا يَمَصُّ الصَّبِىُّ ثُمَّ نَشْرَبُ عَلَيْهَا مِنَ الْمَاءِ فَتَكْفِينَا يَوْمَنَا إِلَى اللَّيْلِ وَكُنَّا نَضْرِبُ بِعِصِيِّنَا الْخَبَطَ ثُمَّ نَبُلُّهُ بِالْمَاءِ فَنَأْكُلُهُ قَالَ وَانْطَلَقْنَا عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ فَرُفِعَ لَنَا عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ كَهَيْئَةِ الْكَثِيبِ الضَّخْمِ فَأَتَيْنَاهُ فَإِذَا هِىَ دَابَّةٌ تُدْعَى الْعَنْبَرَ قَالَ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَيْتَةٌ ثُمَّ قَالَ لاَ بَلْ نَحْنُ رُسُلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَفِى سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدِ اضْطُرِرْتُمْ فَكُلُوا قَالَ فَأَقَمْنَا عَلَيْهِ شَهْراً وَنَحْنُ ثَلاَثُ مِائَةٍ حَتَّى سَمِنَّا قَالَ وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا نَغْتَرِفُ مِنْ وَقْبِ عَيْنِهِ بِالْقِلاَلِ الدُّهْنَ وَنَقْتَطِعُ مِنْهُ الْفِدَرَ كَالثَّوْرِ – أَوْ كَقَدْرِ الثَّوْرِ – فَلَقَدْ أَخَذَ مِنَّا أَبُو عُبَيْدَةَ ثَلاَثَةَ عَشَرَ رَجُلاً فَأَقْعَدَهُمْ فِى وَقْبِ عَيْنِهِ وَأَخَذَ ضِلَعاً مِنْ أَضْلاَعِهِ فَأَقَامَهَا ثُمَّ رَحَلَ أَعْظَمَ بَعِيرٍ مَعَنَا فَمَرَّ مِنْ تَحْتِهَا وَتَزَوَّدْنَا مِنْ لَحْمِهِ وَشَائِقَ فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ « هُوَ رِزْقٌ أَخْرَجَهُ اللَّهُ لَكُمْ فَهَلْ مَعَكُمْ مِنْ لَحْمِهِ شَيْءٌ فَتُطْعِمُونَا ؟ ” قَالَ : فَأَرْسَلْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْهُ فَأَكَلَهُ ” [ رواه البخاري ومسلم واللفظ لمسلم ] .
قائداً عسكرياً
كان أبو عبيدة على خبرة كبيرة بفنون الحرب، وحيل القتل لذا جعله الرسول (قائدًا على كثير من السرايا).
غزوة بدر
من المتفق عليه أن أبا عبيدة حضر غزوة بدر الكبرى التي وقعت في 17 رمضان 2هـ الموافق 13 مارس (آذار) 624م، وأبلى مع غيره من المهاجرين والأنصار بلاءً حسناً.
اِنْطلقَ أبو عُبيدةَ يومَ بَدْرٍ يَصولُ بَيْنَ الصُّفُوفِ صَوْلَةَ مَنْ لا يهَابُ الرَّدى، فَهَابَهُ الُمشْركُونَ، ويجولُ جَوْلَةَ مَنْ لا يحذر الموتَ، فَحَذِرَهُ فُرسانُ قريش وجعلوا يَتَنَحّوْنَ عَنْهُ كُلَّما واجَهوه.
وقيل أنه قتل أباه في المعركة ، فنزل فيه قول الله تعالى : { لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } [ المجادلة22 ].
غزوة أحد
ثبت تاريخياً أن أبا عبيدة حضر غزوة أحد التي وقعت في 7 شوال 3 هـ الموافق 23 مارس 625م، وأنه كان من الذين ثبتوا في ميدان المعركة عندما بُوغت المسلمون بهجوم المشركين، وأنه كان من المدافعين عن النبي محمد.
حينَ هُزِمَ المسلمون وَطَفِقَ صَائِحُ المشركين يُنادِي: (دُلُّوني عَلى محمدٍ … دُلُّوني على محمدٍ …) كان أبو عُبيدَة أحَدَ النَّفَرِ العَشَرَة الذين أحاطوا بالرسول صلى الله عليه وسلم لِيَذودوا عنه بصُدورِهم رِماحَ المُشركِين.
فلمَّا انْتَهتِ الْمَعْرَكَةُ كان الرسولُ صلى الله عليه وسلم قد كُسِرَتْ رَبَاعِيَتُه وَشُجَّ جبينهُ وغارَت في وَجْنَتِهِ حَلْقَتَانِ من حَلَقِ دِرْعِهِ فَأقبَلُ عليه الصِّدِّيقُ يُرِيدُ انْتِزاعَهُما من وَجْنَتِه فقال له أبو عُبيدةَ: أقسِمُ عليك أنْ تَتْرُكَ ذلك لي، فَتَركَه، فَخَشيَ أبو عُبيدَة إنِ اقْتَلَعَهُما بيدِه أنْ يُؤلِمَ رسولَ اللّهِ، فَعَضَّ على أولاهما بِثَنِيَّيه عَضاً قَوِياً مُحْكَماً فاسْتَخْرَجَها ووَقَعَتْ ثَنِيتهُ… ثُمَّ عَضَّ على الأخرى بِثَنِيَّتهِ الثانية فاقتلعها فسقطت ثنيَّته الثانية.
وقصة وقوع ثنيتي أبي عبيدة روتها السيدة عائشة: سمعتُ أبا بكر يقول: «لما كان يومُ أحد، ورُمِيَ رسولُ الله ﷺ في وجهه حتى دخلت في أجنتيه (وجنتيه) حلقتان من المغفر، فأقبلتُ أسعى إلى رسول الله ﷺ وإنسان قد أقبل من قِبَلِ المشرق يطير طيراناً، فقلت: اللهم اجعله طاعة أو “طلحة” حتى توافينا إلى رسول الله، فإذا أبو عبيدة بن الجراح قد بدرني فقال: أسألك بالله يا أبا بكر إلا تركتني فأنزعه من وجنة رسول الله ﷺ، قال أبو بكر: فتركتُه، فأخذ أبو عبيدة بثنيةٍ إحدى حلقتي المغفر فنزعها، وسقط على ظهره، وسقطت ثنية أبي عبيدة، ثم أخذ الحلقة الأخرى بثنيته الأخرى، فسقطت، فكان أبو عبيدة في الناس أثرم (أهتم: وهو الذي انكسرت ثناياه من أصولها)».